في عامٍ استثنائي اتسم بتقلبات سياسية واقتصادية كبرى، برزت الحاجة لدى قادة العالم في عام 2025 إلى ما هو أبعد من مجرد الحلول المؤقتة؛ حيث بات البحث عن “بوصلة فكرية” هو المحرك الأساسي لفهم تعقيدات المشهد العالمي واتخاذ قرارات تتسم بالعمق والاتزان.
القراءة كمنصة للتأمل وإعادة صياغة الرؤية
وسط ضغوط الأسواق العالمية، والتغلغل المتسارع للذكاء الاصطناعي، وتصاعد حدة أزمات المناخ واتساع فجوة عدم المساواة، لجأ نخبة من رؤساء الشركات العالمية ومؤسسي الشركات الناشئة، إلى جانب أكاديميين من أعرق الجامعات، إلى الكتب بوصفها مساحة حيوية للتأمل. ولم تعد القراءة مجرد نشاط ثقافي عابر، بل تحولت إلى محطات استراتيجية لإعادة تشكيل الرؤى القيادية وأساليب الإدارة.
قائمة “قابل القائد”: تنوع يجمع بين الجغرافيا السياسية وعلم النفس
كشفت لقاءات “قابل القائد” (Meet the Leader) المنبثقة عن المنتدى الاقتصادي العالمي عن قوائم قراءة تعكس تنوعاً لافتاً في اهتمامات القادة:
-
الجغرافيا السياسية والاقتصاد البيئي: لفهم التوازنات الدولية الجديدة وأثر المناخ على النمو.
-
علم النفس والقيادة: للتعامل مع العنصر البشري في بيئات عمل معقدة.
-
البحث عن المعنى: كركيزة أساسية لاتخاذ مواقف أخلاقية متزنة وسط الأزمات.
أثر الكتب في صناعة القرار العالمي
أكد التقرير أن هذه الكتب لم تكن مجرد مواد معرفية، بل كانت محركات فاعلة أثرت بشكل مباشر في طريقة تفكير القادة وأساليب قيادتهم، مما ساهم في بلورة قرارات أكثر شمولية لمواجهة تحديات العصر.
فيما يلي، أبرز 15 كتاباً وصفها قادة عالميون بأنها كتب غيّـرت نظرتهم إلى العالم، وإلى أنفسهم، وغيرت مفهوم القيادة في لحظة عالمية معقدة.
أولاً: لفهم العالم من حولنا
قوة الجغرافيا – تيم مارشال
الجغرافيا السياسية كبوصلة للقيادة: رؤية “لونغاتي” لفهم صراعات العالم في عصر الذكاء الاصطناعي
ترشيح: أنجيلا أودور لونغاتي؛ المديرة التنفيذية لمنظمة أوشاهيدي” Ushahidi ” التقنية غير الربحية.
وصفت الخبيرة لونغاتي أحد المؤلفات البارزة في مكتبتها لهذا العام بأنه كتاب “مُذهل”، نظراً لقدرته الفائقة على تفسير العلاقة الجدلية بين الموقع الجغرافي للدول وخياراتها الإستراتيجية. ويقدم الكتاب تحليلاً عميقاً ومبسطاً في آنٍ واحد حول كيفية تأثير الجغرافيا في تشكيل التحالفات السياسية، وإدارة الصراعات الدولية، وتحديد المسارات السياسية للدول.
فهم الجغرافيا في زمن الانقسام الرقمي
ترى لونغاتي أن الإلمام بأسس الجغرافيا السياسية (Geopolitics) بات ضرورة ملحة للقادة في الوقت الراهن. وتأتي هذه الأهمية في ظل مفارقة يعيشها العالم؛ فبينما تتصاعد الخطابات الدولية حول التعاون المشترك في عصر الذكاء الاصطناعي، يعاني الواقع العالمي من حالة انقسام حاد وتوترات متزايدة.
جذور الأزمات والحلول الواقعية
وفقاً لرؤية لونغاتي، فإن هذا الإدراك الجيوسياسي يمنح القادة وصناع القرار القدرة على:
-
استيعاب الجذور: فهم الأصول التاريخية والجغرافية الكامنة وراء الأزمات الحالية.
-
التخطيط الواقعي: صياغة استراتيجيات وطرق أكثر واقعية لتجاوز العقبات الدولية.
-
التوازن الإستراتيجي: الموازنة بين الطموحات التكنولوجية والقيود الجغرافية والسياسية المفروضة على أرض الواقع.
ويعد هذا الطرح جزءاً من الحراك الفكري الذي يشهده عام 2025، حيث يبحث القادة عن “بوصلة فكرية” تعينهم على اتخاذ مواقف أكثر عمقاً واتزاناً وسط ضغوط الأسواق وتسارع التكنولوجيا.
“تسعير ما لا يُقدّر بثمن”:
رؤية باولا ديبيرنا لإعادة صياغة الاقتصاد العالمي في عصر الأزمات البيئية
ترشيح: شيري ماديرا، الرئيسة التنفيذية لمنصة الإفصاح البيئي ( CDP)
في ترشيحٍ استراتيجي يعكس اهتمامات قادة الأعمال في عام 2025، اختارت شيري ماديرا، الرئيسة التنفيذية لمنصة الإفصاح البيئي (CDP)، كتاب “تسعير ما لا يُقدّر بثمن” (Pricing the Priceless) لمؤلفته باولا ديبيرنا. ويسلط الكتاب الضوء على تحول جذري في كيفية تعامل النظام المالي العالمي مع الموارد الطبيعية الحيوية.
إعادة تعريف الموارد الطبيعية كعوامل اقتصادية
يركز الكتاب على إعادة تقييم الموارد الطبيعية مثل المياه والغابات والأراضي. فبدلاً من النظر إليها كعناصر بيئية ثانوية أو “مجانية”، تدعو ديبيرنا إلى اعتبارها عوامل اقتصادية مؤثرة يجب دمجها في صلب الحسابات القومية والاستثمارية.
لماذا يُعد هذا الكتاب بوصلة للقادة في 2025؟
ترى ماديرا أن أهمية الكتاب تكمن في قدرته على الربط المباشر بين تغير المناخ والمخاطر المالية. وتبرز النقاط التالية كركائز أساسية في رؤية الكتاب:
-
الاقتصاد “الإيجابي للأرض”: الدعوة إلى بناء نظام اقتصادي يعترف بقيمة الطبيعة ويحميها.
-
دمج الأصول غير المُسعرة: إدخال العناصر البيئية التي لم تكن تُسعّر سابقاً ضمن الحسابات الاقتصادية الرسمية.
-
الاستثمار المستدام: تشجيع المستثمرين على اعتبار استدامة الموارد الطبيعية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجياتهم الربحية والمخاطرية.
ويأتي هذا الطرح ضمن الحراك العالمي الذي شهده عام 2025؛ حيث لم يعد القادة يبحثون عن الربح السريع فقط، بل عن نماذج اقتصادية تضمن التوازن بين النمو والحفاظ على كوكب الأرض.
بنجامين فرانكلين: حياة أمريكية – والتر إيزاكسون
ترشيح: سانجيف مانكوتيا، الرئيس التنفيذي لشركة “غايا ستار” GaeaStar
يجد مانكوتيا أن تحديات القرن الثامن عشر التي واجهها فرانكلين لا تختلف كثيراً عن تحديات اليوم. فالتقلبات والصراعات والأزمات جزء دائم من مسيرة التقدم. والدرس الأهم، برأيه، هو ضرورة “اللعب على المدى الطويل”، وعدم الانجراف وراء تقلبات اللحظة، لأن الاتجاه العام – رغم كل شيء – يميل إلى التحسن.
“الرسالة – تا-نهيسي كوتس”
ترشيح: جمانة الحشال، الشريكة المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة ” فولتير.إيه آي” ( voltair.ai).
رغم أن الكتاب لا يتناول التكنولوجيا أو المناخ مباشرة، فإنه دفع جمانة إلى طرح سؤال جوهري: ما دور التقني في “إنقاذ العالم”؟
وتقول جمانة إن مواجهة الحقائق القاسية كما هي، والنظر إلى العالم بصدق، مما يحرر العمل ويجعله أكثر سلاسة وأقرب إلى المعنى الحقيقي.
ثانياً: لفهم اللحظة الراهنة
القرين: رحلة إلى عالم المرآة – نعومي كلاين
ترشيح: ناثان ميتينييه، المدير المشارك لصندوق العدالة المناخية للشباب
يصف ميتينييه الكتاب بأنه أداة جيدة لفهم حالة الديمقراطيات العالمية واتساع فجوة عدم المساواة.
ويدعو إلى كسر “الفقاعات الفكرية” والانخراط في حوار حقيقي مع المختلفين، محذراً من أن تجاهل هذا الحوار قد يؤدي إلى ردود فعل عكسية تُقوّض مكتسبات سنوات من النضال.
بداية اللانهاية – ديفيد دويتش
ترشيح: ستيفن بينكر، عالم النفس المعرفي بجامعة هارفارد
يرى بينكر أن هذا الكتاب يقدم أساساً عقلانياً لفكرة التقدم ذاتها: كيف يصبح ممكناً؟ ومن خلال تحليل طبيعة الأفكار والواقع، يشرح دويتش لماذا يظل التقدم البشري خياراً مفتوحاً، لا قدراً مستحيلاً.
ثالثاً: للتأمل الذاتي
جزيء المزيد – دانيال ليبرمان ومايكل لونغ
ترشيح: كيان كاتانفروش، الرئيس التنفيذي لمنصة ” ووركيرا” Workera
يتناول الكتاب تأثير الدوبامين في سلوك الإنسان، خصوصاً رواد الأعمال.
ويعترف كاتانفروش بأنه أدرك من خلاله ميله الدائم لمطاردة الهدف التالي دون الاحتفال بالإنجازات.
ومن هنا، قرر مع فريقه الالتزام بالاحتفاء بالنجاحات مهما كانت صغيرة.
هنا سيد برنستين يتحدث – سيد برنستين
ترشيح: ديالو باول، الرئيس التنفيذي لشركة ستاك موبيليتي (Stak Mobility)
ليست هذه سيرة مؤسس تقليدية، بل قصة رجل أحدث ثورة في صناعة الموسيقى ونظم مهرجان وودستوك.
ما يلهم باول هو الحديث الصريح عن الفشل المتكرر، حتى بعد النجاحات الكبيرة، والإصرار على المحاولة مجدداً.
الشجاعة أن تكون مكروهاً – إيشيرو كيشيمي وفوميتاكي كوغا
ترشيح: ليز سنتوني، نائبة الرئيس التنفيذي في سيسكو
يركّز الكتاب على فكرة “الوكالة الذاتية”؛ أي إدراك الفرد لقوته وقدرته على الاختيار دون الخضوع للتفكير الجماعي.
وترى سنتوني أن القيادة الحقيقية لا تقوم على الصوت الأعلى، بل على الأصالة والنية الواضحة.
رابعاً: في معنى القيادة
التحقق: علم نفس التأثير الجديد – كارولاين فليك
ترشيح: آدم غرانت، عالم النفس التنظيمي بجامعة وارتون
يشرح الكتاب كيف يشعر الناس بأنهم مرئيون ومسموعون، وهي مهارة لا تقل أهمية في بيئة العمل عنها في العلاقات الشخصية.
ويؤكد غرانت أن هذه القدرات أساسية للقادة والمديرين على حد سواء.
العقلية: علم نفس النجاح – كارول دويك
ترشيح: ألفريد شتيرن، الرئيس التنفيذي لشركة OMV
يدافع شتيرن عن “عقلية النمو” التي ترى أن المهارات ليست ثابتة، بل قابلة للتعلم والتطوير.
هذه العقلية، برأيه، هي مفتاح بناء فرق قادرة على التعلّم من الأخطاء وتحويل التحديات إلى فرص.
مَن لا كيف – دان سوليفان
ترشيح: أيومي مور أوكي، مؤسسة “وومن إن تيك غلوبال” (Women in Tech Global)
الكتاب يرسّخ فكرة أن النجاح لا يتطلب أن يعرف القائد كل شيء، بل أن يعرف “من” يمكنه تنفيذ المهمة. وبناء الفرق الصحيحة، وفق هذا المنظور، أهم من امتلاك جميع الإجابات.
خامساً: لمواجهة تعقيدات اللحظة
تأملات للبشر الفانين – أوليفر بوركمان
ترشيح: موهيت جوشي، الرئيس التنفيذي لشركة “تيك ماهندرا” (Tech Mahindra)
يذكّر الكتاب بأن الحياة لن تصبح يوماً خالية من المشكلات. والقبول بهذه الحقيقة، بدلاً من انتظار “اللحظة المثالية”، يقلل القلق ويجعل الإنسان أكثر قدرة على الاستمتاع بلحظات الفرح وسط التحديات.
نشاط المتعة: سياسة الشعور الجيد – أدريان ماري براون
ترشيح: ناديا أوكاموتو، مؤسسة علامة “أوغست” August
ترى أوكاموتو أن هذا الكتاب غيّـر مسار حياتها المهنية، لأنه ينتقد ثقافة الإنتاجية المفرطة، ويدعو إلى استعادة المتعة في العمل والحياة كوسيلة للتحرر وإعادة التوازن.
أعمال متنوعة لفيكتور فرانكل
ترشيح: ديفيد شتاينباخ، مدير الاستثمار في شركة Hines
يستند فرانكل، الناجي من الهولوكوست، إلى فكرة البحث عن المعنى كشرط أساسي للحياة والقيادة.
ويؤكد شتاينباخ أن وجود “لماذا” واضحة يمكّن القائد من إعادة تأطير أي ظرف، مهما كان صعباً، وتحويله إلى مصدر قوة.
تكشف هذه القائمة أن قيادة 2025 لم تعد تعتمد فقط على المهارات التقنية أو الاستراتيجيات المالية، بل على فهم أعمق للعالم، وللنفس، ولمعنى التأثير. ففي زمن تتشابك فيه الأزمات، تبقى القراءة إحدى أكثر الأدوات قوة لإعادة التفكير، وبناء قيادة أكثر وعياً وإنسانية.
